سورة الحاقة
*تناسب خواتيم القلم مع فوتح الحاقة*

في أواخر القلم قال (فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ
سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ
إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)) وضرب مثلاً لهؤلاء في الحاقة (ثَمُودُ
وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ
(5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6))
إستدرجهم
وأملى لهم حتى أهلكهم. أُملي لهم يعني أؤجل لهم أدعهم يفعلون إلى أن
أهلكهم. أملى لهم واستدرجهم إلى أن أهلكهم. إذن ضرب مثلاً من كذب ثم
استدرجهم فأملى لهم. قال في أواخر القلم ذكر المتقين والكافرين (إِنَّ
لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34)) وذكر الكافرين
(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا
يَسْتَطِيعُونَ (42)) وقال في أول الحاقة ذكر من أوتي كتابه بيمينه ومن
أوتي كتابه بشماله، ذكر المتقين وذكر يوم يطشف عن ساق وهذا في يوم القيامة
والحاقة من أسماء يوم القيامة. هذا ما ذكره في المتقين وما ذكره في
الكافرين هو إنما يكون في يوم القيامة الحاقة فقال (الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3))
ثم ذكر من أوتي كتابه بيمينه (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ
جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34)) وذكر من أوتي كتابه بشماله (يَوْمَ يُكْشَفُ
عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)) فضرب
المثالين في الحاقة. كل واحدة ذكر فيها جانباً من الجوانب استكمالاً لما
يذكر أو للتوضيح والتبيين وليس من قبيل التكرار وإنما تضيف إطاراً به تكتمل
الصورة العامة.


**هدف السورة**
آياتها كلها تذكّر بالآخرة.
والتذكرة بالآخرة هي وسيلة مهمة للداعية وهي من أهم ما يجب أن يستخدمه
الداعية في دعوته لأن التذكرة بالآخرة ترقق القلوب القاسية. وقد احتوت
السورة على مشاهد عظيمة من يوم القيامة يوم يظهر الحق الكامل ويعلم الناس
إذا كانوا في الجنة أو النار.


***من اللمسات البيانية فى سورة الحاقة***
آية (4):
*ما دلالة تقديم ثمود على قوم عاد في سورة الحاقة مع أنها تتأخر في باقي القرآن؟(د.فاضل السامرائى)


التقديم والتأخير عموماُ قد يكون بالمتقدم أو المتأخر حتى في كلامنا
العادي نضرب مثلاً بمن هو أمامنا أو بمن هو متقدم: تقول لواحد انظر إلى
فلان كيف كان، انظر إلى فلان الذي قبله قد تذكره بمن تشاهده وقد تذكره
بالقديم تقول له هذه سنة الله في الخلق منذ خلق الله الأرض، من آدم.
أحياناً التذكير أو الذكر يبدأ بالأقرب ثم الأبعد وأحياناً بالعكس. سياق السورة والسمت العام في السورة كلها أنها تبدأ بالأقرب (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)) (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9)) فرعون ومن قبله، ثم قال (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11)) هذا نوح، هذا سمت عام في السورة حتى في مشاهد القيامة (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14))
بدأ بالأرض ثم قال وانشقت السماء وفي أحيان كثيرة يبدأ بالسماء وهي الأبعد
(إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ) (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ) (إِذَا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا
الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) التكوير) السمت العام في السورة أنه يبدأ بالأقرب
ثم الأبعد حتى في القسم (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) الحاقة) ما
تبثر أقرب مما لا تبصر، هذا السمت العام في السورة. ثم أن السورة تبدأ
بالحاقة ويبدو أن كل التي تبدأ بأمثالها الحاقة والقارعة والصاخة والآزفة
والغاشية والواقعة تبدأ بالأقرب (الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ
كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ
الْمَنْفُوشِ (5)) (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ
الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ
وَبَنِيهِ (36)) (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ
يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35)) (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ
(1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا
رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5)) (أَزِفَتِ
الْآَزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ
هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)) (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ
(1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3)) هذه تحتاج
إلى تدقيق أكثر ولكن هكذا يبدو لي بنظرة سريعة والله أعلم.
آية (7):


*ما هي الآية الكريمة التي استعصت على الدكتور لمعرفة لمساتها البيانية؟

(د.فاضل السامرائى)
هي أكثر من آية، إحداها بقيت عندي أشهر وهي قوله تعالى (تَنزِعُ
النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (20) القمر) لماذا جاءت
بالتأنيث في سورة الحاقة (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ)
وفي القمر (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ) وهي وصف للنخل في
الحالتين لكن إحدى الآيتين بالتأنيث والأخرى بالتذكير. رجعت لكتب النفسير
التي تقول أنها متناسبة لخواتيم الآيات لكن في نفسي أنها ليست للفاصلة
وحدها وقطعاً هناك أمر غير الفاصلة ووصلت إلى إجابة وكتبتها في كتاب بلاغة
الكلمة في القرآن. ثم اهتديت إليها عَرَضاً في صنعاء. عندنا قاعدة أن
التأنيث قد يفيد المبالغة والتكثير يعني رجل راوية، داعية هذه فيها مبالغة
مثل علام علامة، حطم حطمة، همز همزة هذه مبالغة وهذه قاعدة لغوية وتعني
التكثير (قالت الأعراب آمنا) بالتأنيث وقال (قال نسوة في المدينة) الأعراب
أكثر. قال تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي
يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ (19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ
نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (20)) وقال في يوم واحد بينما في سورة الحاقة قال (سَخَّرَهَا
عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى
الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7))
أيها الأكثر سبع أيام بلياليها أم يوم؟ سبع أيام فجاء بالتأنيث للدلالة على المبالغة والتكثير ثم قال في الحاقة قال (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6))
وفي القمر قال (رِيحًا صَرْصَرًا) لم يقل عاتية فزاد العتو وزاد الأيام في
الحاقة فيكون الدمار أكبر فقال خاوية لأن الخاوية أكثر من منقعر لأن كل
منقعر هو خاوي والخاوي عام يشمل المنقعر وغير المنقعر فجاء بكلمة خاوية
التي هي أعم من منقعر وجاء بالتأنيث للمبالغة والتكثير وصفة الرياح أقل ريح
صرصر لذا قال بعدها (فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ).
*تعقيباً على إجابة الدكتور السامرائي :


في الحلقة السابقة عن الآية (أعجاز نخل خاوية)
(منقعر) فهل يمكن أن نفهمها على أنه خاوية تعود على الأعجاز وفي حالة
منقعر تعود على النخل؟ لا يصح لأننا إذا رجعنا إلى تشكيل خاوية ومنقعر في
الحالتين هي مجرورة (خاويةٍ) (منقعرٍ) وهي وصف للنخل وليس للأعجاز ولو كانت تعود على أعجاز لكانت تكون مرفوعة (أعجاز نخل خاويةٌ).
آية (13):


* قال تعالى (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ
نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) الحاقة) لماذا جاء الفعل (نفخ) مذكراً ولم يقل
نفخت مع أن الفاعل مؤنث (نفخة)؟(د.فاضل السامرائى)


أولاً الحكم نحوي أن نفخة مؤنث مجازي والمونث المجازي يجوز فيه التذكير
والتأنيث والفصل بين الفعل والفاعل (في الصور) هذا أمر آخر يحسّن التذكير،
هذا أمر نحوي ومن الناحية النحوية يجوز التذكير والتأنيث. يبقى هنالك أمر
آخر قُرئت (نفخةً) وإعرابها مفعول مطلق و(في الصور) نائب فاعل (جار ومجرور)
وفي هذه الحالة لا يجوز، أصلها نفخ الله في الصور نفخةً واحدة باعتبارها
متعلقة بمحذوف مفعول به لأن الفعل اللازم إذا كان الفعل لازماً ممكن أن
ينوب عنه الظرف بشروط نائب الفاعل مثلاً (سُوفِر يومُ الخميس) وسافرتُ يومَ
الخميس، سافر فعل لازم ليس متعدياً وعندما نبنيه للمجهول سوفِر يومُ (يوم
نائب فاعل)، أو الجار والمجرور بشروطه (جلست في الحديقة) (جُلِس في
الحديقة) جار ومجرور، (ونفخ في الصور) وقد يكون المصدر إنطُلِق انطلاقٌ
شديد (نائب فاعل). فهنا على القراءة المشهورة (نفخةٌ) نائب فاعل وأصلها
مصدر ونفخ في الصور نفخةٌ واحدة (نفخة إسم مرّة). وعندنا قرآءة نفخةً مفعول
مطلق مثل انطلقت انطلاقة، إذن على هذه القراءة لا يصح أصلاً نُفخت على
قراءة نفخةً هذا ليس فاعلاً حتى تؤنث له الفعل لأن المفعلول المطلق لا يؤنث
له الفعل. أولاً بموجب هذه القراءة (نفخةً) لا يصح التأنيث أصلاً ثم عندنا
مؤنث مجازي وعندنا الفصل، عندنا ثلاثة أمور الآن قسم يجيز التذكير وقسم
يجيز التأنيث. وهنالك أمر آخر حتى لو لم تكن قراءة بالنصب (نفخةً) وهو أن
هذا يوم شديد (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) الحاقة)
هذا يوم شديد يجعل الولدان شيباً كما ذكر تعالى والتذكير في هذا أولى كما
في تذكير الملائكة في الشدة ،عندما يذكر ربنا الملائكة في الشدة يذكِّرهم
وعندما يذكرهم في البشرى أو فيما هو أقل يؤنثهم، لو عندنا أمران أحدهما أشد
من الآخر يستعمل الملائكة بالتذكير لما هو أشدّ مثال: (وَلَوْ تَرَى إِذْ
يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ
وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) الأنفال) قال يتوفى
(مذكر) مع الملائكة استعمل الفعل بالتذكير، وقال (فَكَيْفَ إِذَا
تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ
(27) محمد) مؤنث، لم يقل ذوقوا عذاب الحريق مع أن الفعل واحد في الحالتين
وهذه وطبيعة القرآن إذا كان الأمر شديداً يستعمل التذكير للملائكة وفي مقام
البشرى يستعمل المؤنث (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ
وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ
لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) الفرقان)
نُزِّل مذكّر، (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا
وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
(30) فصلت) الفعل تتنزل مؤنث.
*(فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) الحاقة) ما هي الحكمة في هذا التعبير؟(د.فاضل السامرائى)


الصفة قد تكون مؤكدة مثل (أمس دابر)، (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) الحاقة)
هي واحدة، (وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ (51)
النحل) إلهين يعني اثنين، (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا
دَكَّةً وَاحِدَةً (14) الحق).
آية (19):


*ما معنى هاؤم اقرأوا كتابيه؟(د.فاضل السامرائى)


هاؤم معناها هاكم في العامية مقول هاك معناها خُذ، هاؤم معناها خذوا وإن
كان أيضاً أهل اللغة يقولون هاءَ تأتي بمعنى هات أي عكس خُذ لكن في الآية
خذوا اقرأوا كتابيه فرح بما أوتي من كتابه باليمين وفي التفسير يقولون
تعالوا اقرأوا كتابيه، هاؤم معناها هاكم خذوا اقرأوا كتابيه. هي هاءِ
بالإفراد مثل هاكِ، هاؤم تفيد الجمع، يقول أهل اللغة هاءَ بالفتح بمعنى هات
وهاءِ بمعنى خُذ. هاؤم بمعنى خذوا فرح بما آتاه الله من كتاب في يمينه
فقال تعالوا انظروا ما في كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه، هاؤم إسم فعل.
*حرف الهاء يقصد بها

التنبيه في (هؤلاء، هذا) فهل للهاء نفس الدلالة في(فَيَقُولُهَاؤُمُاقْرَءُواكِتَابِيَهْ (19) الحاقة)؟وما دلالة باقي الكلمة (اؤم)؟(د.حسام النعيمى)
يفرحنا جداً مثل هذه الأسئلة والملاحظة والتتبع والمراعاة وتشير إلى أن
المشاهدين يتتبعون فصاروا ممن يلاحظ هذه الآيات كما قال تعالى عن أناس
هجروا هذا القرآن (أفلا يتدبرون القرآن) فصاروا ممن يتدبر القرآن وينظرون
شيئاً دُبُر شيء.
(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) الحاقة)


الجزء الأول في هاؤم (هـ) هو ليس كالجزء الأول في لفظ (هذا)، الجزء الأول
من لفظ (هذا) نص العلماء على أن (ذا) هو إسم الإشارة ولو تذكرت أبيات
الألفية:
بذا لمُفردٍ مذكّر أشِر بذي وذِه تي تا على الأنثى اقتصر
وتدخل الهاء للتنبيه فيقال (هذا) وأحياناً لا تدخل الهاء وإنما يأتي ذاك وذلك. لكن هنا (هاؤم) الهاء ليست للتنبيه و(أؤم) التي يحار الناس في معناها وإنما هذه لفظة، هي إسم فعل (هاؤم) كلمة كاملة كما هي بمعنى (خذوا) كأنما يريد أن يعطيهم شيئاً (هاؤم اقرأوا كتابيه) خذوا كتابي فاقرأوه.
(هاؤم)

قال العلماء تستعمل في لحظة الفرح
الشديد، يقول هاؤم هذا وانظروا فيه. بعض العلماء تتبع هذه اللفظة في لغات
العرب فوجد أن العرب تستعملها بثماني طرائق: منهم من يقول (ها) فقط: ها يا
رجل، ها يا امرأة، ها يا رجلان، ها يا امرأتان، ها يا رجال، ها يا نسوة
صورة واحدة بمعنى خذ وخذي وخذا وخذوا وخذن. وبعضهم يستعمل معها الهمزة (هأ)
هأ يا رجل، لكن يقولون أكثرها استعمالاً التي أشار إليها سيبويه إمام
النحاة وهي التي يقول فيها العربي (هاءَ يا رجل، هاءِ يا امرأة، هاءا يا
رجلان ويا امرأتان، هاؤنّ للنساء وهاؤم يا رجال) فهذه هي اللغة العليا
الأكثر إستعمالاً. أن تلحق الألف همزة مفتوحة قبل كاف الخطاب هذه لغة أخرى:
(هاءك، هاءكِ، هاءكما، هاءكنّ، هاءكم). ثماني لغات لكن اللغة التي عليها
القرآن الكريم أجودها ما حكاه سيبويه لما يقول العرب تقول أي جمهور العرب
فهي اللغة العليا المثلى تقول (هاءَ، هاءِ، هاءا، هاءكنّ، هاؤم) فالميم في
هاؤم كالميم في أنتم وضمها كضمها في بعض الأحيان. وفسّر هنا بـ(خذوا)
وتستعمل عند الفرح والنشاط وكأنها جواب، كأنها لشخص يقول: ما عندك؟ يقول:
هاءِ ما عندي، في حال فرحك ونشاطك وسرورك. هؤلاء كانوا مسرورين فيقولون (هاؤم) لفرحهم وسرورهم، والذي أعطي كتابه بشماله لم يقل هاؤم.
وعندنا رأي يرى "وزعم قوم أنها مركّبة في الأصل" كأنها منحوتة نحتاً
أصلها هاء التنبيه وأوموا أي إتجه إلى الشيء، هاأوموا إليّ يعني إتجهوا
إليّ لكن لا يوجد دليل واللغات السبع الأخرى دليل على أنها كلمة وصنعت هكذا
ابتداءً وليست من النحت.
هناك فرق بين هاؤم وخذوا: هاؤم كأنها لفظة سرور لكن إذا قلت خذوا أي
خذوا هذا الأمر وأنت فرح أو غاضب أو راضٍ أو غير راضٍ أو غيره لكن هاؤم
فيها سرور وفرح.
(لا تخفى منكم خافية)

: مناسبة أن نقول أن هذه الآية وحدها لو كان الإنسان يتبصّر فيها لتوقف عن كل عمل لا يرضي الله سبحانه وتعالى لما يتذكر أنه (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية)
هذه وحدها لو أراد أن يسرق أو يعصي، يقول صحيح أنه لا أحد يراني، لكن كيف
أصنع يوم لا تخفى خافية؟ سلاّمة لما قالت لعبد الرحمن القُسّ (يقال له قُسّ
لعبادته) قالت له: إني لأحبك، قال وأنا والله، قالت: وأشتهي أن أقبّلك،
قال وأنا والله، قالت: فما يمنعك فإن الموضع لخالٍ؟ قال: يمنعني قول الله
عز وجل - تذكروا فإذا هم مبصرون - (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) الزخرف) فأخشى أن تحول محبتي
لك عداوة يوم القيامة. فلو تذكر الإنسان دائماً هذه الآية (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية) ما كان عصى أحدٌ ربّه سبحانه وتعالى.
*هل ورد التنازع في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)


ورد التنازع في القرآن الكريم في أكثر من موضع ومن ذلك قوله تعالى (هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) الحاقة)
هاؤم هذا اسم فعل بمعنى هاتوا، اقرأوا فعل أمر، كتابيه، هاؤم اقرأوا
كتابيه، تنازعوا الكتاب، هاؤم اقرأوا الكتاب هاتوا الكتاب واقرأوه وإسم
الفعل يعمل عمل الفعل.
آية (25):


*ما الفرق بين (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ ﴿25﴾ الحاقة) (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ﴿10﴾ الانشقاق)؟(د.أحمد الكبيسى)


بشماله أو من وراء ظهره يا أخي هذا الشمال هذا الكتاب هكذا ثم يده
مغلولة بالخلف فهي يده مغلولة وراء ظهره فيعطى الكتاب بشماله المغلولة وراء
ظهره.
آية (51):


*في سورة التكاثر قال تعالى (كَلَّا لَوْ
تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)) ومباشرة بعدها (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا
عَيْنَ الْيَقِينِ (7)) وفي سورة الحاقة (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ
(51)) فما دلالة الإختلاف علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين؟ وهل نفهم أن
اليقين له مراتب؟(د.فاضل السامرائى)


علم اليقين أن تتيقن من الشيء. أعلاها حق اليقين ثم يأتي عين اليقين
(اليقين هو الأمر الثابت الحق الثابت) ودونه علم اليقين. إبراهيم u لما سأل
ربه كيف تحيي الموتى؟ قال أولم تؤمن؟ قال بلى، هذا علم يقين لم يكن
إبراهيم شاكّاً وإبراهيم يعلم ذلك علم اليقين ليس متشككاً إذن يعلمه علم
اليقين فلما رأى الطير صار عين اليقين رآها بعينه، شاهدها مشاهدة ولذلك
القدامى يضربون مثالاً يقولون علم الناس بالموت هذا علم اليقين فإذا رأى
ملائكة الموت وهو في النزع هذا عين اليقين فإذا ذاقه صار حق اليقين.




****تناسب فواتح سورة الحاقة مع خواتيمها****
بدأت بعقوبة المكذبين بالحاقة والقارعة في الدنيا (الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)) ثم ذكر إهلاك ثمود وعاد (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)) ثم ذكر الحاقة وأحوالها المؤمنين والمكذبين بها (فَأَمَّا
مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا
كِتَابِيَهْ (19)) (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ
يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25))
. إذن قال في أولها (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)) ثم ذكر عاقبتهم وفي الآخر قال (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49)) وهم كذّبوا، (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ) فأهلناكم (فَأَمَّا
ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا
بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)) (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ
مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50))
عاقبتهم الحسرة، أولئك أهلناكم وأنتم عاقبتكم الحسرة.


*****تناسب خواتيم الحاقة مع فواتح المعارج*****
الحاقة كلها تتكلم عن يوم القيامة من بدايتها (الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2)) إلى آخرها (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50))
وفي المعارج (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ
كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)) هي نفسها، فإذا نفخ في
الصور نفخة واحدة هذا يوم القيامة يوم تعرج الملائكة والروح إليه في يوم
كان مقداره خمسين ألف سنة، هذه نفسها
.