بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



الأصلُ في المسلم أنَّه يستسلم لأوامر الله،
ويَجتنِب نواهيَه، فيلتزم بما ألْزَمه الله في كتابه ، أو ألزمه رسولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سنته الصحيحة، فإذا أُمِر بشيء ائتمَر ، وإذا نُهي عن شيء انتهى ، فلا يتعبَّد لله إلا بما شرَعه الله ، وهذا ما تميَّز به الإسلام عن بقية الأديان :
أنَّه دِين قائم على الإتباع لا الإبتداع، فلا يُزاد فيه ما ليس منه ،
ولا ينقص عنه ما هو فيه ؛ لأنَّه دِين أكمله الله :
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة: 3]، وبإكماله تمَّت نعمة الله على عباده،
وهو دِين ارتضاه الله للبشرية جمعاء: " وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا " [المائدة: 3]، ولن يَقبل دِينًا سواه: " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ "


[آل عمران: 85].

فالمسلِم الصادقُ في إسلامه يتمسَّك بهذا الدِّين ، فيمتثِل أوامر الله، ويجتنب نواهيه ، ومِن هذه النواهي التي نُهِي المسلم عنها :
الصلاة في أوقاتٍ نهَى الشرع الحكيم عن الصلاة فيها؛
لحِكم جمة، قدْ نعلمها وقدْ لا نعلمها.



وقبل أن نُعدِّد هذه الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ، ننبِّه إلى
أنَّ المقصود بالصلاة المنهي عنها في هذه الأوقات، هي : النوافل المطلَقة ، أو الصلاة التي لا سببَ لها ،
كما سيأتي بيانُ ذلك - إن شاء الله.



ومِن هذه الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ما يأتي:
أولاً : بعدَ صلاة الفجْر إلى طلوع الشمس.
ثانيًا : عندَ طلوع الشمس حتى ترتفع قدْر رمح في رأي العين؛
أي : بمقدار اثنتي عشرة دقيقة تقريبًا .

ثالثًا : حين يقوم قائمُ الظهيرة حتى تزولَ الشمس ،



وذلك حين لا يبقَى للقائم في الظهيرة ظلٌّ في المشرق
ولا في المغرِب، وقدَّره البعض برُبع ساعة تقريبًا .
رابعًا : بعدَ صلاة العصْر حتى تغرُب الشمس .
خامسًا : عندَ اصفرار الشمس حتى تغرُب .

فهذه خمسةُ أوقات جاءتِ الأحاديث الصحيحة بالنهي عن الصلاة فيها، ومِن هذه الأحاديث ما يأتي :

أولاً : حديث أبي عبدالله الصنابحي - رضي الله عنه -
أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال : ((إنَّ الشمس تطلُع بيْن قرني الشيطان ، فإذا ارتفعتْ فارقها ، فإذا كانتْ في وسطِ السماء قارنَها ، فإذا زالتْ فارقها ، فإذا دنت للغروب قارنَها ،

فإذا غربتْ فارقها، فلا تصلُّوا هذه الساعات الثلاث))
رواه ابن ماجه (1253)، وأحمد (18591)، وصحَّحه الألباني في المشكاة (1048).



ثانيًا : حديث يَسار مولَى ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : رآني ابنُ عمرَ وأنا أُصلِّي بعدَ طلوع الفجْر، فقال: يا يسار، إنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - خرَج علينا ونحن نُصلِّي هذه الصلاة ، فقال: (( ليبلغ شاهدُكم غائبَكم، لا تُصلُّوا بعدَ الفجْر إلا سجدتين ))؛ رواه أبو داود (1278)، وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود (1159).

ثالثًا : وحديث أبي سعيد الخُدري - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((لا صلاةَ بعدَ الصُّبح حتى تطلعَ الشمس، ولا صلاةَ بعدَ العصر حتى تغيبَ الشمس))؛ رواه البخاري (586)، واللفظ له، ومسلم (825) بمعناه.

رابعًا : حديث عُقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال : "ثلاثُ ساعات كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ينهانا أن نُصلِّي فيهنَّ، أو أن نقْبُر فيهن موتانا: حين تطلُع الشمس بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائمُ الظهيرة حتى تَميل الشمس، وحين تَضَيَّفُ - أي: تميل إلى جِهة الغروب - الشمس للغروب حتى تغرب رواه مسلم (831).

خامسًا : حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (( لا يتحرَّى أحدُكم فيصلِّي عند طلوع الشمس، ولا عندَ غروبها ))؛ رواه البخاري (585)، ومسلم (828)، وفي رواية قال: (( إذا طَلَع حاجبُ الشمس - أوَّل ما يبدو منها في الطلوع ، وهو أوَّل ما يَغيب منها - فدعُوا الصلاة حتى تبرز - أي: حتى تصيرَ الشمس بارزةً ظاهرة - فإذا غاب حاجبُ الشمس فدعُوا الصلاة حتى تغيبَ، ولا تحيَّنوا بصلاتكم طلوعَ الشمس ولا غروبها، فإنَّها تطلع بيْن قرني شيطان ))؛ رواه البخاري (3273)، وغير ذلك مِن الأحاديث التي جاءتْ بالنهي عن الصلاةِ في هذه الأوقات.

الحِكمة من النهي عن الصلاة في هذه الأوقات :
الأصلُ أنَّ المسلِم يستسلم لأوامِر الله، ويجتنب نواهيَه تعبُّدًا لله، ولا يتوقَّف عن التعبُّد حتى يطَّلعَ على الحِكمة أو العِلَّة مِن الأمر بكذا، أو النهي عن ذلك، بل عليه أن ينقاد، وله أن يبحَث على الحُكم والعِلل أثناء العمل؛ ليزدادَ إيمانًا وثباتًا، وقد ذكر العلماء - رحمهم الله تعالى - أنَّ الشرع الحكيم نهى عن الصلاةِ في هذه الأوقات لحِكم عدَّة، علِمها مَن علِمها ، وجهلها مَن جهلها ، ومن هذه الحِكم التي عُلمت في هذه المسألة ما يأتي :

أولاً : أنَّ في وقت الظهيرة قُبيل الزوال يُوقد فيه على جهنم إيقادًا بليغًا ؛ لحديث عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: (( ثم صلِّ ؛ فإن الصلاة مشهودةٌ محضورة حتى يستقلَّ الظل بالرمح ، ثم أقْصِر عن الصلاة؛ فإنه حينئذٍ تُسجر جهنم ))؛ رواه مسلم (832).

ثانيًا : وأمَّا الحِكمة من النهي عنِ الصلاة عندَ طلوع الشمس وعندَ غروبها ، فهي مشابهة المشركين ، فإنَّهم يسجدون للشمس عندَ طلوعها وعندَ غروبها ؛ لحديث عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: (( صلِّ الصبح، ثم أَقْصِرْ عن الصلاة حتى تطلُع الشمس حتى ترتفع ؛ فإنها تطلع بين قرْني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفَّار )) ، ثم قال - عليه الصلاة والسلام -: (( حتى تصلِّي العصر، ثم أقصِرْ عن الصلاة حتى تغربَ الشمس؛ فإنَّها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار ))؛ رواه مسلم (832).
وحديث ابن عمرَ - رضي الله عنهما - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: (( لا تَحَرَّوا بصلاتكم طلوعَ الشمس ولا غُروبها؛ فإنَّها تطلع بقرْني شيطان ))؛ رواه مسلم (828).

ثالثًا : وأمَّا النهي عنِ الصلاة بعدَ صلاة الفجْر إلى طلوع الشمس، وبعدَ صلاة العصْر إلى غروب الشَّمس، فمِن باب سدِّ الذريعة ؛ قال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في بيان حِكمة النهي عن الصلاة في هذه الأوقات: " الشيطانُ يقارن الشمس، وحينئذٍ يسجد لها الكفَّار ، فالمصلِّي حينئذٍ يتشبه بهم في جِنس الصلاة، فالسُّجُودُ وإنْ لم يكونوا يعبدون معبودَهم،


ولا يقصدون مقصودهم ، لكن يشبههم في الصُّورة ، فنهَى
عن الصلاة في هذين الوقتين سدًّا للذريعة ؛ حتى ينقطِع التشبُّهُ بالكفَّار ، ولا يتشبه بهم المسلِم في شِرْكهم " .
مجموع الفتاوى (23/186).
وقال - رحمه الله -: " الأصل في النهي أنَّه عندَ الطلوع والغروب ، لكن نُهِي عن الصلاة بعدَ الصلاتين سدًّا للذريعة ؛ فإنَّ المتطوع قد يصلِّي بعدهما حتى يُصلِّي وقتَ الطلوع والغروب ". مجموع الفتاوى (23/203).



رابعًا : وهناك حِكمة أُخرى في النَّهي عن الصلاة في هذه الأوقات عمومًا ، وهي إجمامُ النفوس ، وتنشيطها حتى تُقبل بعد وقت المنْع بنشاط ورغْبة ، كما أشار إلى ذلك شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فقال : " في النهي عنه بعض الأوقات مصالِح أُخَر؛ من إجمام النفوس بعض الأوقات مِن ثقل العبادة ، كما يجم بالنَّوْم وغيره ، ومِن تشويقها وتحبيب الصلاة إليها إذا مُنعِت منها وقتًا، فإنَّه يكون أنشطَ وأرغب فيها ؛ فإنَّ العبادة إذا خُصت ببعض الأوقات نشطتِ النفوس لها أعظمَ ممَّا تنشط للشيءِ الدائم ، ومنها : أنَّ الشيء الدائم تسأم منه وتملُّ وتضجر ، فإذا نهى عنه بعضَ الأوقات زال ذلك الملل" .


- مجموع الفتاوى (23/187).
=================
يتبــــــــــــــع :