نخطىء لكى نتعلم

هل من الممكن أن تحتوي الحياة على ذلك الحل السحري الموجود بلوحة مفاتيح الكمبيوتر "Ctrl+z"، والذي يتيح لنا أن نتراجع عن أخطائنا وما فعلناه في لحظات السهو والخطأ والغفلة؟!

نخطىء لكى نتعلم 43fa00c6642252245246277319ac5602

نخطىء لكى نتعلم 43fa00c6642252245246277319ac5602

أليس من الجيد أن يمتلك المرء منا القدرة على أن يقوم بمسح الأجزاء التي لا يريدها من حياته، ويستبدل بدلا بها أوقاتًا أكثر نُضجًا ووعيًا وإدراكًا؟!

نخطىء لكى نتعلم 43fa00c6642252245246277319ac5602

في الحقيقة أن كلا السؤالين -فضلًا عن عبثهما- من أسوأ الأسئلة التي يمكن أن يطرحها المرء منا؛ فهي -برغم حاجتنا لتأملها ابتداء- قادرة على إثارة حالة من العبث والفوضى أكثر مما تضيفه من الوعي والاتزان.

نخطىء لكى نتعلم 43fa00c6642252245246277319ac5602

فلحظات التخبط والضعف هي التي تزيد وعينا، وتوسع مداركنا، وتُثري مخزوننا من الحكمة والصواب والفهم، وكثير من عظماء الحياة يمكنك أن تلحظ عظمتهم في لحظات ضعفهم، أو زللهم، أو خطئهم؛ حتى إن كُتّاب السيَر كانوا يبحثون كثيرًا عن تلك اللحظة الحاسمة التي صنعت الشخصية التي يكتبون عنها، تلك اللحظة التي كانت في الغالب خطأ كبيرًا، أو انكسارًا مؤلمًا، أو قلة وعي وإدراك، أو ربما فشلًا ذريعًا!

نخطىء لكى نتعلم 43fa00c6642252245246277319ac5602

حتى أديسون، أحد أكثر من حصلوا على براءات اختراع في التاريخ ومخترع المصباح الكهربي، كان دائمًا يتفاخر بتجاربه الفاشلة، التي اقتربت من الألف طريقة دون أن ينجح في اكتشاف المصباح، ويقول "ها قد أصبحت لديّ ألف طريقة متأكد أن إحداهما لا تصنع مصباحًا!"؛ ذلك الفخر الذي يعني أن ثمة فائدة من ورائه ستتحقق.. وقد كانت.

نخطىء لكى نتعلم 43fa00c6642252245246277319ac5602

لقد توقفت يومًا سائلًا نفسي عن اللحظات التي لو عاد الزمان لحذَفْتها من حياتي؛ فلم أعشها قط، وصدقًا أجيب "لا شيء"؛ فحياة المرء منا تُبنى أحدثها فوق بعضها البعض كأي مبنى حجري، وما من نجاح إلا ويتكئ على قاعدة من العمل والجد والجهد.. وأيضًا الفشل والتعثر والإخفاق!

نخطىء لكى نتعلم 43fa00c6642252245246277319ac5602

لا أدّعي أننا يجب أن نقع في كل الأخطاء كي نتعلم بشكل كامل؛ فالذكي من اتّعظ بغيره، واستلهم من تدابير القدر، وتقلب الناس، ودوران الأيام آية وحكمة ودرسًا، ووفّر على نفسه ألم التجربة، والزمن الذي يحتاجه للوعي والعودة إلى دائرة التصحيح، ولا أحاول أيضًا أن أبرر خطأ ارتكبته يومًا ما؛ فجميع أخطائنا يجب أن نصححها ونعتذر عنها؛ لكنني أودّ التنبيه على أننا سنخطئ بلا شك، ولن نملك عند الخطأ خيار "Ctrl+z"؛ لكننا نملك خيارات أخرى أكثر نفعًا وجدوى، وهي خيارات (الندم والتوبة واستلهام الدرس والعبرة)؛ الندم على ذنب اقترفته في جنب الله، وتوبة عن الرجوع إلى نفس الخطأ أو الزلل ثانية، واستلهام العبرة من ذلك الخطأ والزلل وعدم الذهول عنه، وغضّ الطرف عما يحمله من حكمة ودرس وعِظة.

نخطىء لكى نتعلم 43fa00c6642252245246277319ac5602

ولعل هذا ما عناه سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام حين قال في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه: "‏لو لم تذنبوا لذَهَب الله بكم، وجاء بقوم يُذنبون"، وفي رواية: "ثم يستغفرون فيغفر لهم‏"؛ فهو تصريح بأن الخطأ يُعدّ أحد أسباب تحقق وجودنا على هذه الأرض، والتفاضل بين البشر يكون في قدرة كل شخص منهم على تصحيح الخطأ الذي ارتكبه ثم الاستفادة القصوى منه.

نخطىء لكى نتعلم 43fa00c6642252245246277319ac5602

وهنا حريّ بك ألا تطمح في ضغط أي أزرار من نوعية "Ctrl+z" كي تعيد تصحيح موقف ما، يكفيني عند الكبوة والسقوط أن تقول: "أستغفر الله" صادقًا في ندمك وتوبتك، عازمًا على ألا تقترف هذا الذنب ثانية؛ مستشعرًا ضعفك وحولك أمام قوة الله وسلطانه..

وحينها فقط تشعر بطعم الحياة الحقيقي.

جزاكم الله خيرا على مجهودك

نفع الله بها كل المسلمين وجعلها فى ميزان حسناتكم
اللهم إجعلنا من الذين يفشون السلام بين الناس
والمقبـُولة صلاتهم على نبيك وحبيبك
سيدنا وحبيبنا وقدوتنا
محمد بن عبد الله